الأربعاء، 20 أغسطس 2008

جدارية ( 1 )

























هذا هُوَ اسمُكَ /
قالتِ امرأةٌ ،
وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ…




أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي .
ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ
طُفُولَةٍ أَخرى . ولم أَحلُمْ بأني
كنتُ أَحلُمُ . كُلُّ شيءٍ واقعيٌّ . كُنْتُ
أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً…
وأَطيرُ . سوف أكونُ ما سأَصيرُ في
الفَلَك الأَخيرِ .


..
وكُلُّ شيء أَبيضُ ،
البحرُ المُعَلَّقُ فوق سقف غمامةٍ
بيضاءَ . والَّلا شيء أَبيضُ في
سماء المُطْلَق البيضاءِ . كُنْتُ ، ولم
أَكُنْ . فأنا وحيدٌ في نواحي هذه
الأَبديَّة البيضاء . جئتُ قُبَيْل ميعادي
فلم يَظْهَرْ ملاكٌ واحدٌ ليقول لي :
(( ماذا فعلتَ ، هناك ، في الدنيا ؟ ))
ولم أَسمع هُتَافَ الطيِّبينَ ، ولا
أَنينَ الخاطئينَ ، أَنا وحيدٌ في البياض ،
أَنا وحيدُ …

..
لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ .
لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا
أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ
الهواجس . لم أَجد أَحداً لأسأل :
أَين (( أَيْني )) الآن ؟ أَين مدينةُ
الموتى ، وأَين أَنا ؟ فلا عَدَمٌ
هنا في اللا هنا … في اللازمان ،
ولا وُجُودُ



..
وكأنني قد متُّ قبل الآن …
أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني
أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما
ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ
ما أُريدُ …
سأصيرُ يوماً ما أُريدُ


..
سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها
إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتابَ …
كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من
تَفَتُّح عُشْبَةٍ ،
لا القُوَّةُ انتصرتْ
ولا العَدْلُ الشريدُ
..
سأَصير يوماً ما أُريدُ














..
سأصير يوماً طائراً ، وأَسُلُّ من عَدَمي
وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ
اقتربتُ من الحقيقةِ ، وانبعثتُ من
الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين ، عَزَفْتُ
عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ
رحلتي الأولى إلى المعنى ، فأَحْرَقَني
وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ
الطريدُ .
..
سأَصير يوماً ما أُريدُ















..
سأَصير يوماً كرمةً ،
فَلْيَعْتَصِرني الصيفُ منذ الآن ،
وليشربْ نبيذي العابرون على
ثُرَيَّات المكان السُكَّريِّ !
أَنا الرسالةُ والرسولُ
أَنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
..
سأَصير يوماً ما أُريدُ


..
هذا هُوَ اسمُكَ /
قالتِ امرأةٌ ،
وغابتْ في مَمَرِّ بياضها .
هذا هُوَ اسمُكَ ، فاحفظِ اسْمَكَ جَيِّداً !
لا تختلفْ مَعَهُ على حَرْفٍ
ولا تَعْبَأْ براياتِ القبائلِ ،
كُنْ صديقاً لاسمك الأُفُقِيِّ
جَرِّبْهُ مع الأحياء والموتى
ودَرِّبْهُ على النُطْق الصحيح برفقة الغرباء
واكتُبْهُ على إحدى صُخُور الكهف ،




يااسمي : سوف تكبَرُ حين أَكبَرُ
سوف تحمِلُني وأَحملُكَ
الغريبُ أَخُ الغريب
سنأخُذُ الأُنثى بحرف العِلَّة المنذور للنايات
يا اسمي: أَين نحن الآن ؟
قل : ما الآن ، ما الغَدُ ؟
ما الزمانُ وما المكانُ
وما القديمُ وما الجديدُ ؟
..
سنكون يوماً ما نريدُ

..
لا الرحلةُ ابتدأتْ ، ولا الدربُ انتهى
لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ
كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ
ولم نعرف من الأزهار غيرَ شقائقِ النعمانِ ،
فلنذهب إلى أَعلى الجداريات :
أَرضُ قصيدتي خضراءُ ، عاليةُ ،
كلامُ الله عند الفجر أَرضُ قصيدتي
وأَنا البعيدُ
أَنا البعيدُ


..
في كُلِّ ريحٍ تَعْبَثُ امرأةٌ بشعرها
- خُذِ الجهةَ التي أَهديتني
الجهةَ التي انكَسَرتْ ،
وهاتِ أُنوثتي ،
لم يَبْقَ لي إلاّ التَأمُّلُ في
تجاعيد البُحَيْرَة . خُذْ غدي عنِّي
وهاتِ الأمس ، واتركنا معاً
لا شيءَ ، بعدَكَ ، سوف يرحَلُ
أَو يَعُودُ




..
- وخُذي القصيدةَ إن أَردتِ
فليس لي فيها سواكِ
خُذي (( أَنا )) كِ . سأُكْملُ المنفى
بما تركَتْ يداكِ من الرسائل لليمامِ .
فأيُّ منا (( أَنا )) لأكون آخرَها ؟
ستسقطُ نجمةٌ بين الكتابة والكلامِ
وتَنْشُرُ الذكرى خواطرها : وُلِدْنا
في زمان السيف والمزمار بين
التين والصُبَّار . كان الموتُ أَبطأَ .
كان أَوْضَح . كان هُدْنَةَ عابرين
على مَصَبِّ النهر . أَما الآن ،
فالزرُّ الإلكترونيُّ يعمل وَحْدَهُ . لا
قاتلٌ يُصْغي إلى قتلى . ولا يتلو
وصيَّتَهُ شهيدُ




..
من أَيِّ ريح جئتِ ؟
قولي ما اسمُ جُرْحِكِ أَعرفِ
الطُرُقَ التي سنضيع فيها مَرّتيْنِ !
وكُلُّ نَبْضٍ فيكِ يُوجعُني ، ويُرْجِعُني
إلى زَمَنٍ خرافيّ . ويوجعني دمي
والملحُ يوجعني … ويوجعني الوريدُ

























..
في الجرّة المكسورةِ انتحبتْ نساءُ
الساحل السوريّ من طول المسافةِ ،
واحترقْنَ بشمس آبَ . رأيتُهنَّ على
طريق النبع قبل ولادتي . وسمعتُ
صَوْتَ الماء في الفخّار يبكيهنّ :
عُدْنَ إلى السحابة يرجعِ الزَمَنُ الرغيدُ



















..
قال الصدى :
لاشيء يرجعُ غيرُ ماضي الأقوياء
على مِسلاَّت المدى … [ ذهبيّةٌٌ آثارُهُمْ
ذهبيّةٌٌ ] ورسائلِ الضعفاءِ للغَدِ ،
أَعْطِنا خُبْزَ الكفاف ، وحاضراً أَقوى .
فليس لنا التقمُّصُ والحُلُولُ ولا الخُلُودُ



















..
قال الصدى :
وتعبتُ من أَملي العُضَال . تعبتُ
من شَرَك الجماليّات : ماذا بعد
بابلَ؟ كُلَّما اتَّضَحَ الطريقُ إلى
السماء ، وأَسْفَرَ المجهولُ عن هَدَفٍ
نهائيّ تَفَشَّى النثرُ في الصلوات ،
وانكسر النشيدُ
















..
خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ عالية ٌ…
تُطِلُّ عليَّ من بطحاء هاويتي …
غريبٌ أَنتَ في معناك . يكفي أَن
تكون هناك ، وحدك ، كي تصيرَ
قبيلةً…
غَنَّيْتُ كي أَزِنَ المدى المهدُورَ
في وَجَع الحمامةِ ،
لا لأَشْرَحَ ما يقولُ اللهُ للإنسان ،
لَسْتُ أَنا النبيَّ لأَدَّعي وَحْياً
وأُعْلِنَ أَنَّ هاويتي صُعُودُ










..
وأَنا الغريب بكُلِّ ما أُوتيتُ من
لُغَتي . ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف
الضاد ، تخضعني بحرف الياء عاطفتي ،
وللكلمات وَهيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ
كوكباً أَعلى . وللكلمات وَهيَ قريبةٌ
منفى . ولا يكفي الكتابُ لكي أَقول :
وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب .
وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ
الآخرين . وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم
أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ ،
هل أَنا الفَرْدُ الحُشُودُ ؟













..
وأَنا الغريبُ . تَعِبْتُ من ” درب الحليب ”
إلى الحبيب . تعبتُ من صِفَتي .
يَضيقُ الشَّكْلُ . يَتّسعُ الكلامُ . أُفيضُ
عن حاجات مفردتي . وأَنْظُرُ نحو
نفسي في المرايا :
هل أَنا هُوَ ؟
هل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْرِي من الفصل
الأخيرِ ؟
وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض ،
أَم فُرِضَتْ عليَّ ؟
وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدَّوْرَ
أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها
لتعيش ما بعد الحداثة ، بعدما
انْحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ
وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ ؟




..
وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ :
هل أَنا هُوَ ؟
هذه لُغَتي . وهذا الصوت وَخْزُ دمي
ولكن المؤلِّف آخَرٌ…
أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ
أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ
أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ :
اكتُبْ تَكُنْ !
واقرأْ تَجِدْ !
وإذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ ، يَتَّحِدْ
ضدَّاكَ في المعنى …
وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدُ
..
بَحَّارَةٌ حولي ، ولا ميناء
أَفرغني الهباءُ من الإشارةِ والعبارةِ ،
لم أَجد وقتاً لأعرف أَين مَنْزِلَتي ،
الهُنَيْهةَ ، بين مَنْزِلَتَيْنِ . لم أَسأل
سؤالي ، بعد ، عن غَبَش التشابُهِ
بين بابَيْنِ : الخروج أم الدخول …
ولم أَجِدْ موتاً لأقْتَنِصَ الحياةَ .
ولم أَجِدْ صوتاً لأَصرخَ : أَيُّها
الزَمَنُ السريعُ ! خَطَفْتَني مما تقولُ
لي الحروفُ الغامضاتُ :
ألواقعيُّ هو الخياليُّ الأَكيدُ
..
يا أيها الزَمَنُ الذي لم ينتظِرْ …
لم يَنْتَظِرْ أَحداً تأخَّر عن ولادتِهِ ،
دَعِ الماضي جديداً ، فَهْوَ ذكراكَ
الوحيدةُ بيننا ، أيَّامَ كنا أَصدقاءك ،
لا ضحايا مركباتك . واترُكِ الماضي
كما هُوَ ، لا يُقَادُ ولا يَقُودُ
..
ورأيتُ ما يتذكَّرُ الموتى وما ينسون …
هُمْ لا يكبرون ويقرأون الوَقْتَ في
ساعات أيديهمْ . وَهُمْ لايشعرون
بموتنا أَبداً ولا بحياتهِمْ . لا شيءَ
ممَّا كُنْتُ أو سأكونُ . تنحلُّ الضمائرُ
كُلُّها . ” هو ” في ” أنا ” في ” أَنت ” .
لا كُلٌّ ولاجُزْءٌ . ولا حيٌّ يقول
لميِّتٍ : كُنِّي !
..
.. وتنحلُّ العناصرُ والمشاعرُ . لا
أَرى جَسَدي هُنَاكَ ، ولا أُحسُّ
بعنفوان الموت ، أَو بحياتيَ الأُولى .
كأنِّي لَسْتُ منّي . مَنْ أَنا ؟ أَأَنا
الفقيدُ أَم الوليدُ ؟
..
الوقْتُ صِفْرٌ . لم أُفكِّر بالولادة
حين طار الموتُ بي نحو السديم ،
فلم أكُن حَيّاً ولا مَيْتاً،
ولا عَدَمٌ هناك ، ولا وُجُودُ
..
تقولُ مُمَرِّضتي : أَنتَ أَحسَنُ حالا ً.
وتحقُنُني بالمُخَدِّر : كُنْ هادئاً
وجديراً بما سوف تحلُمُ
عما قليل …
..
رأيتُ طبيبي الفرنسيَّ
يفتح زنزانتي
ويضربني بالعصا
يُعَاونُهُ اثنانِ من شُرْطة الضاحيةْ
..
رأيتُ أَبي عائداً
من الحجِّ ، مُغمىً عليه
مُصَاباً بضربة شمسٍ حجازيّة
يقول لرفِّ ملائكةٍ حَوْلَهُ :
أَطفئوني ! …
..
رأيتُ شباباً مغاربةً
يلعبون الكُرَةْ
ويرمونني بالحجارة : عُدْ بالعبارةِ
واترُكْ لنا أُمَّنا
يا أَبانا الذي أخطَأَ المقبرةْ !
..
رأيت ” ريني شار ”
يجلس مع ” هيدغر ”
على بُعْدِ مترين منِّي ،
رأيتهما يشربان النبيذَ
ولا يبحثان عن الشعر …
كان الحوار شُعَاعاً
وكان غدٌ عابرٌ ينتظرْ
..
رأيتُ رفاقي الثلاثَةَ ينتحبونَ
وَهُمْ
يَخيطونَ لي كَفَناً
بخُيوطِ الذَّهَبْ
..
رأيت المعريَّ يطرد نُقَّادَهُ
من قصيدتِهِ :
لستُ أَعمى
لأُبْصِرَ ما تبصرونْ ،
فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي
إلى عَدَمٍ …. أَو جُنُونْ
..
رأيتُ بلاداً تعانقُني
بأَيدٍ صَبَاحيّة : كُنْ
جديراً برائحة الخبز . كُنْ
لائقا ً بزهور الرصيفْ
فما زال تَنُّورُ أُمِّكَ
مشتعلاً ،
والتحيَّةُ ساخنةً كالرغيفْ !
..
خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ . نهرٌ واحدٌ يكفي
لأهمس للفراشة : آهِ ، يا أُختي ، ونَهْرٌ واحدٌ يكفي لإغواءِ
الأساطير القديمة بالبقاء على جناح الصَّقْر ، وَهْوَ يُبَدِّلُ
الراياتِ والقممَ البعيدةَ ، حيث أَنشأتِ الجيوشُ ممالِكَ
النسيان لي . لاشَعْبَ أَصْغَرُ من قصيدته . ولكنَّ السلاحَ
يُوَسِّعُ الكلمات للموتى وللأحياء فيها ، والحُرُوفَ تُلَمِّعُ
السيفَ المُعَلَّقَ في حزام الفجر ، والصحراء تنقُصُ
بالأغاني ، أَو تزيدُ
..
لاعُمْرَ يكفي كي أَشُدَّ نهايتي لبدايتي
أَخَذَ الرُّعَاةُ حكايتي وتَوَغَّلُوا في العشب فوق مفاتن
الأنقاض ، وانتصروا على النسيان بالأَبواق والسَّجَع
المشاع ، وأَورثوني بُحَّةَ الذكرى على حَجَرِ الوداع ، ولم
يعودوا …
..
رَعَويَّةٌ أَيَّامنا رَعَويَّةٌ بين القبيلة والمدينة ، لم أَجد لَيْلاً
خُصُوصِيّاً لهودجِكِ المُكَلَّلِ بالسراب ، وقلتِ لي :
ما حاجتي لاسمي بدونكَ ؟ نادني ، فأنا خلقتُكَ
عندما سَمَّيْتَني ، وقتلتَني حين امتلكتَ الاسمَ …
كيف قتلتَني ؟ وأَنا غريبةُ كُلِّ هذا الليل ، أَدْخِلْني
إلى غابات شهوتك ، احتضنِّي واعْتَصِرْني ،
واسفُك العَسَلَ الزفافيَّ النقيَّ على قفير النحل .
بعثرني بما ملكتْ يداك من الرياح ولُمَّني .
فالليل يُسْلِمُ روحَهُ لك يا غريبُ ، ولن تراني نجمةٌ
إلاّ وتعرف أَنَّ عائلتي ستقتلني بماء اللازوردِ ،
فهاتِني ليكونَ لي - وأَنا أُحطِّمُ جَرَّتي بيديَّ -
حاضِريَ السعيدُ
..
- هل قُلْتَ لي شيئاً يُغَيِّر لي سبيلي ؟
- لم أَقُلْ . كانت حياتي خارجي
أَنا مَنْ يُحَدِّثُ نفسَهُ :
وَقَعَتْ مُعَلَّقتي الأَخيرةُ عن نخيلي
وأَنا المُسَافِرُ داخلي
وأَنا المُحَاصَرُ بالثنائياتِ ،
لكنَّ الحياة جديرَةٌ بغموضها
وبطائرِ الدوريِّ …
لم أُولَدْ لأَعرفَ أَنني سأموتُ ، بل لأُحبَّ محتوياتِ ظلِّ
اللهِ
يأخُذُني الجمالُ إلى الجميلِ
وأُحبُّ حُبَّك ، هكذا متحرراً من ذاتِهِ وصفاتِهِ
وأِنا بديلي …
..
أَنا من يُحَدِّثُ نَفْسَهُ :
مِنْ أَصغر الأشياءِ تُولَدُ أكبرُ الأفكار
والإيقاعُ لا يأتي من الكلمات ،
بل مِنْ وحدة الجَسَدَيْنِ
في ليلٍ طويلٍ …
..
أَنا مَنْ يحدِّثُ نَفْسَهُ
ويروِّضُ الذكرى … أَأَنتِ أَنا ؟
وثالثُنا يرفرف بيننا ” لا تَنْسَيَاني دائماً ”
يا مَوْتَنا ! خُذْنَا إليكَ على طريقتنا ، فقد نتعلَّمُ الإشراق …
لا شَمْسٌ ولا قَمَرٌ عليَّ
تركتُ ظلِّي عالقاً بغصون عَوْسَجَةٍ
فخفَّ بِيَ المكانُ
وطار بي روحي الشَّرُودُ
..
أَنا مَنْ يحدِّثُ نفسَهُ :
يا بنتُ : ما فَعَلَتْ بكِ الأشواقُ ؟
إن الريح تصقُلُنا وتحملنا كرائحة الخريفِ ،
نضجتِ يا امرأتي على عُكَّازَتيَّ ،
بوسعك الآن الذهابُ على ” طريق دمشق ”
واثقةً من الرؤيا . مَلاَكٌ حارسٌ
وحمامتان ترفرفان على بقيَّة عمرنا ، والأرضُ عيدُ …
..
الأرضُ عيدُ الخاسرين [ ونحن منهُمْ ]
نحن من أَثَرِ النشيد الملحميِّ على المكان ، كريشةِ النَّسْرِ
العجوز خيامُنا في الريح . كُنَّا طيِّبين وزاهدين بلا تعاليم
المسيح . ولم نكُنْ أَقوى من الأعشابِ إلاّ في ختام
الصَيْفِ ،
أَنتِ حقيقتي ، وأَنا سؤالُكِ
لم نَرِثْ شيئاً سوى اسْميْنَا
وأَنتِ حديقتي ، وأَنا ظلالُكِ
عند مفترق النشيد الملحميِّ …
ولم نشارك في تدابير الإلهات اللواتي كُنَّ يبدأن النشيد
بسحرهنَّ وكيدهنَّ . وكُنَّ يَحْمِلْنَ المكانَ على قُرُون
الوعل من زَمَنِ المكان إلى زمان آخرٍ …
..
كنا طبيعيِّين لو كانت نجومُ سمائنا أَعلى قليلاً من
حجارة بئرنا ، والأَنبياءُ أَقلَّ إلحاحاً ، فلم يسمع مدائحَنا
الجُنُودُ …
..
خضراءُ ، أرضُ قصيدتي خضراءُ
يحملُها الغنائيّون من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ كما هِيَ في
خُصُوبتها .
ولي منها : تأمُّلُ نَرْجسٍ في ماء صُورَتِهِ
ولي منها وُضُوحُ الظلِّ في المترادفات
ودقَّةُ المعنى …
ولي منها : التَّشَابُهُ في كلام الأَنبياءِ
على سُطُوح الليلِ
لي منها : حمارُ الحكمةِ المنسيُّ فوق التلِّ
يسخَرُ من خُرافتها وواقعها …
ولي منها : احتقانُ الرمز بالأضدادِ
لا التجسيدُ يُرجِعُها من الذكرى
ولا التجريدُ يرفَعُها إلى الإشراقة الكبرى
ولي منها : ” أَنا ” الأُخرى
تُدَوِّنُ في مُفَكِّرَة الغنائيِّين يوميَّاتها :
(( إن كان هذا الحُلْمُ لا يكفي
فلي سَهَرٌ بطوليٌّ على بوابة المنفى … ))
ولي منها : صَدَى لُغتي على الجدران
يكشِطُ مِلْحَهَا البحريَّ
حين يخونني قَلْبٌ لَدُودُ …
..
أَعلى من الأَغوار كانت حكمتي
إذ قلتُ للشيطان : لا . لا تَمْتَحِنِّي !
لا تَضَعْني في الثُّنَائيّات ، واتركني
كما أَنا زاهداً برواية العهد القديم
وصاعداً نحو السماء ، هُنَاكَ مملكتي
خُذِ التاريخَ ، يا ابنَ أَبي ، خُذِ
التاريخَ … واصنَعْ بالغرائز ما تريدُ
..
وَلِيَ السكينةُ . حَبَّةُ القمح الصغيرةُ
سوف تكفينا ، أَنا وأَخي العَدُوّ ،
فساعتي لم تَأْتِ بَعْدُ . ولم يَحِنْ
وقتُ الحصاد . عليَّ أَن أَلِجَ الغيابَ
وأَن أُصدِّقَ أوَّلاً قلبي وأتبعَهُ إلى
قانا الجليل . وساعتي لم تأتِ بَعْدُ .
لَعَلَّ شيئاً فيَّ ينبُذُني . لعلِّي واحدٌ
غيري . فلم تنضج كُرومُ التين حول
ملابس الفتيات بَعْدُ . ولم تَلِدْني
ريشةُ العنقاء . لا أَحَدٌ هنالك
في انتظاري . جئْتُ قبل ، وجئتُ
بعد ، فلم أَجد أحداً يُصَدِّق ما
أرى . أنا مَنْ رأى . وأَنا البعيدُ
أَنا البعيدُ
























ليست هناك تعليقات: